نظرية المؤامرة  في زمن الكورونا  : بقلم الأستاذ علي مصابحية
انتشار نظرية المؤامرة في المجتمعات ليس غريبا.
نظرية المؤامرة استمرار لعقلية الخرافة التي تبحث عن "قوى خفية" تحرك الاحداث من خلف الستار.
ما سبب مرضك؟
الجن
لماذا ارتكبت هذه الجريمة ؟
الشيطان أغواني
ما سبب ظهور هذا الفيروس القاتل الآن؟
الصين ارادت تدمير امريكا
امريكا ارادت تدمير الصين
تم تصنيعه في مختبر سري
هناك من يتبنى نظرية المؤامرة لأنه عاجزعن الفهم وهناك من يتبنى نظرية المؤامرة لأنه لا يريد أن يفهم وهؤلاء هم الأخطر.
وتتعاون نظرية المؤامرة اليوم مع misinfodemics (وباء المعلومات المضللة) لتعريض الناس للخطر.
تفاهة نظرية المؤامرة هو سر جاذبيتها
تستطيع إثبات اي شيء عبر نظرية المؤامرة وبنفس الأدلة. الفيروس بدأ في الصين ومن وجهة نظرية المؤامرة تستطيع الإدعاء ان الصين صنعته في مختبراتها البيولوجية وتسرب منها لكن في نفس الوقت تستطيع القول ان امريكا هي التي صنعته وسربته الى الصين للقضاء على منافستها.
تستطيع ايضا الإدعاء ان الصين سربت الفيروس بالتعمد لتخدع العالم وتكدس ارباحا هائلة كما تستطيع ان تقول نفس الشيء عن امريكا وانها أرادت تشغيل الشركات الكبرى للأدوية بنشر هذا الفيروس ، تستطيع ايضا تحويلها الى مؤامرة عالمية والإدعاء أن الشركات الكبرى والمليارديرات واباطرة الإعلام يبالغون في خطورة الفيروس من اجل جني الأرباح.
نظرية المؤامرة تتجاهل الوااقع وترفضه بل هي لا ترى الواقع واقعا بل تراه وهما وأكذوبة وترى الأوهام والأكاذيب حقائق دامغة ولعل هذا هو سبب استحالة نقاش شخص يفكر بعقلية المؤامرة.
العالم في حالة رعب وخوف وتراجع اقتصادي هائل وخسائر فلكية ستودي بآلاف الوظائف والشركات وستضع العالم في ضائقة تستمر سنوات
آلاف العمال والموظفين سيفقدون وظائفهم ومئات الشركات ستفلس واقتصاديات كبرى ستتراجع ووفيات يومية وتعطل كامل للحياة ومع ذلك يعجز التفكير التآمري عن رؤية الواقع ويبحث عن فرضيات طفولية بدون دليل ليبني عليها نتائج متناقضة مع نفسها لا يمكن أن يصدقها طفل.
في كل الأحوال
سواء آمنا بالعلم أو عطلنا عقولنا بالخرافة والمؤامرات تذكر أن الفيروس قد يصل إليك والى اسرتك وهناك سلوكيات بسيطة قد تنقذك وتنقذ عائلتك
احرص على غسل يديك جيدا بالماء والصابون
ابتعد عن المصافحة والعناق
ابق في بيتك حتى تنحسر ذروة الوباء
تجنب العطاس والكحة في وجوه الناس واستخدم المنديل او المرفق لتجنب تطاير الرذاذ
تجنب التجمعات والاماكن المغلقة الا للضرورة
نظرية المؤامرة قد تقتلك مرتين
مرة بقتل قدرتك على التفكير الصحيح
ومرة أخرى بالفيروس الذي لا يؤمن بالخرافات
ما يمكن قوله انه مع تطور وسائل الاتصال الإجتماعي ظهرت مشكلة misinfodemic وهي كلمة انقليزية مركبة تعني وباء المعلومات المضللة. وكما هو واضح اليوم تزيد خطورة هذه المشكلة في أوقات الأوبئة. من الامثلة على وباء المعلومات المضللة الشائعات المنتشرة عبر ملايين المواد المتناثرة على الإنترنات حول علاجات وهمية للكورونا واثار صحية غير حقيقية إضافة طبعا إلى نظرية المؤامرة.
خطورة نظرية المؤامرة أنها قد تدفع الناس إلى الاستهانة بخطورة الوباء. فإذا صدقت الناس أن الفيروس تم نشره تعمدا من قبل الصين عند البعض ومن قبل امريكا عند البعض الآخر فالمسألة سهلة بالنسبة لهم فالذي صنع الفيروس واطلقه قادر على احتوائه واخفائه او هكذا يظنون.
المعلومات المضللة أيضا تدفع الناس بعيدا عن الحقائق الكفيلة بانقاذ حياتهم والجري وراء أوهام دينية او سياسية أو ثقافية خطره.
هذا أسوأ وباء تشهده الأرض منذ أكثر من 100 سنة ولن تنجو منه دولة مهما اغلقت حدودها.
الحل الوحيد المتاح اليوم هو الوقاية. والوقاية تعني الحصول على المعلومات الصحيحة الموثقة علميا من المصادر ذات الثقة والمصداقية.
إن نظرية المؤامرة بسيطة وتافهة وتفاهتها أحد أسباب انتشارها.
ذكاء محترفي نظريات المؤامرة نابع من استغلالهم لفجوات المعرفة عند العامة وبناء تفسيرات هلامية على أساس محرف.
يتداول الناس عددا كبيرا من الأفلام والمسلسلات والكتب والمقالات التي تتحدث عن فيروس كورونا بعضها انتج أو صدر قبل سنتين وبعضها قبل عشر سنوات وبعضها قبل 18 سنة . والنتيجة التي يتوصلون لها أن كورونا نتيجة مؤامرة عالمية وإلا كيف تحدثت كل هذه المواد عن الفيروس قبل ظهوره بفترة طويلة بل إن هذه المواد الإعلامية هي جزء من المؤامرة لأن غرضها تهيئة الجماهير للضربة/الوباء
هذا التفسير ناتج عن فجوة معرفية بسيطة وكسل في البحث والتثبت وأحيانا ناتج عن ذاكرة مضللة.
كورونا ليس اسما لفيروس ولكنه يطلق على عائلة ممتدة من الفيروسات ابتداء من الفيروس المسبب لنزلة البرد وصولا إلى فيروس كورونا- سارس SARS الذي ظهر في الصين عام 2002 وكورونا-الجِمال MERS الذي ظهر في السعودية عام 2012 بسبب مخالطة الجمال ، لهذا عندما يظهر فيلم Contagion عام 2011 الذي يتحدث عن وباء عالمي يسببه فيروس كورونا المنتقل من خفاش فالفيلم كان يستند إلى الماضي (فيروس SARS) الذي انتقل أيضا من خفاش وكاد يتسبب في وباء عالمي.
وهذا ينطبق أيضا على مسحوق التنظيف الذي انتج قبل سنوات لدول الخليج وكتب على علبته من الخارج (يقضي على فيروس كورونا) لأن المقصود به انه يقضي على كورونا بول البعير MERS الذي هدد الدول الخليجية بسبب مخالطة الجِمال.
يعود اكتشاف فيروسات كورونا إلى سنة 1960 كأحد مسببات اضطرابات الجهاز التنفسي وهناك عشرات الأبحاث في المجلات العلمية عن هذه الفيروسات.
بل إن وسائل الإعلام العربية في سنتي 2012 و 2013 ازدحمت بعشرات الاخبار عن وفيات فيروس كورونا في السعودية والإمارات ولا شك أن ذاكرة ضعيفة فقط ستعتبر الحديث عن كورونا قبل 8 سنوات مؤامرة كونية.
باختصار ليس هناك أضعف من نظريات المؤامرة.
إنها هشه وميتة مثلها مثل الفيروس لكنها تخدع الجهاز العقلي الذي لا يحب الغارق وسط طوفان من الأخبار المتناقضة وتعيد إنتاج نفسها داخل الذهن عبر التخفي في صورة حقائق وأدلة مزيفة او مجتزأة او محرفة.
 
علي مصابحية
 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي Ambiance FM وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.

 

الإذاعة الجهوية الأولى بالمهدية Ambiance FM

إذاعة جمعياتية متخصصة منضوية تحت لواء جمعية قصور الساف للشباب والثقافة و الإعلام، مدعمة من وزارة الشؤون الثقافية في إطار البرنامج الوطني"تونس...مدن الفنون"

المدير العام المؤسس : محمد أمين عبد الواحد

العنوان: دار الثقافة قصور الساف، شارع الحبيب ثامر 5180 قصور الساف

الهاتف : 52911306
الفاكس :73665292