التعليق الرياضي : مواهب تونسية في مهب الريح

لطالما كانت تونس ولادة لعديد المواهب في التعليق الرياضي , هذا القطاع الذي إزدهر و نما بفضل حناجر تونسية صدحت في عديد المنابر المحلية و العالمية و غيرت أسلوب التعليق من الطريقة الكلاسيكية و أخرجت المعلق من  الناقل للمباراة إلى الواصف و المتفاعل مع مجريات ما يحدث على أرضية الميدان.
فلا يمكن أن ننسى حماسة نجيب الخطاب في مونديال 78 و لا فكاهة محمد بوغنيم و لا صوت توفيق الخذيري و لا عبارات رضا العودي و لا نبرة خليفة الجبالي و غيرهم الكثير الذين كانوا صوت الملاعب عبر موجات الأثير و عين المستمع الذي يتفاعل مع مختلف الكلمات و يتعايش معها أجواء المباراة.
لذلك أصبح التعليق الرياضي التونسي ذو طابع خاص و مرجعا لعديد الدول العربية و أضحت المنابر الإعلامية الأجنبية تتهافت على التونسيين قصد الإستفادة من خبرتهم و التعويل على تمكنهم المتميز قصد إستقطاب أكبر عدد من المشاهدين و ذلك بلغة عربية سليمة و أسلوب سلس و أصوات كأنها موسيقى تعزف في أذن المستمع لذلك إكتملت الصورة للمتابع بأن غدا اللقاء عرضا فرجويا متكاملا و ليس مباراة كرة قدم فقط.
لنشهد مع اواخر التسعينات و بداية الألفينات بروز عديد الأسماء التي سطعت في سماء التعليق الرياضي و أكدت تألق الطاقات التونسية أكثر من أي وقت مضى في العالم العربي على غرار عصام الشوالي و رؤوف خليف الذين كان لهما طابعا متميزا و مختلفا عن اللاخر , و لقبا بعديد الألقاب على غرار "فرسان التعليق الرياضي" "أصحاب الحنجرة الذهبية" و عديد التسميات الأخرى حيث لقوا نجاحا كبيرا بل أصبح المشاهدون يطالبون بأسمائهم لنقل المباريات و تغنت بهم الجماهير في المدرجات و كانوا بمثابة جزء لا يتجزأ من نجاح أي قناة عربية يتواجدون بها خاصة مع تعلق أذن المتابع للشأن الرياضي بأصواتهم الشجية.
هذا الذي شجع المؤسسات الإعلامية لإكتشاف أسماء تونسية أخرى قد تكون بلغت ما وصل له سفيري التعليق الرياضي الشوالي و خليف , لنشهد بروز نوفل الباشي الذي تميز بصوته الجميل الذي يشد المشاهد و أسلوبه المختلف الرائع إضافة إلى الشاب هيكل الصغير الذي بدوره عبر نهج التألق و واصل التأكيد على أن تونس تبقى ولادة دائما في هذا المجال.
هذا النجاح الكبير للمعلقين الرياضين التونسيين أسال لعاب البعض محليا و جعل منهم يلهثون وراء ركوب قطار الشهرة العربية و سعوا بشتى الطرق للوصول إلى غاياتهم فغابت الخبرة و الكفاءة و إندثرت الأصوات الجميلة و حضر التلعثم و الصراخ و النحيب و غرق التعليق الرياضي التونسي في وحل العلاقات و القرابة و الولاء و المحاباة ليشهد المجال تصحرا كبيرا مقارنة بباقي الدول العربية التي استثمرت فيه و حصدت نجاحا كبيرا و أصبحت في المراتب الأولى مقابل تراجع رهيب للمواهب التونسية بعد سيطرت عديد الأسماء التي لم يبقى لها من الصوت سوى الهمس و من الرؤية سوى بعض السنتميترات علاوة على أسلوبها الركيك و صوتها المزعج .
و بعد الثورة تعددت المنابر الإعلامية التي رأى فيها الشباب الطموح و المتميز فرصة ذهبية لإبراز أحقيتها في التواجد خلف المصدح إلا أن الطموحات لم تكن في مستوى التطلعات بل كانت على غرار البقية إن لم تكن أكثر حيث أصبح هذا المجال لكل من هب و دب و تغيرت قواعد الإلتحاق به فلا مستوى تعليمي مهم و لا حاجة لصوت يشد المستمع و لا لغة عربية سليمة و لا معرفة بقواعد اللعبة.
هذا الذي أنتج لنا ضجيجا يصم الاذان و عويلا لا طائل منه و نعيقا دون فائدة و أخرج لنا نسخا مشوهة لعديد المعلقين التونسيين و العرب و غلب على العديد الولاء الأعمى لأنديتهم ليصبح التعليق الرياضي فرصة للمتابعين للتندر و السخرية ممن يرون أن لهم الأحقية دون غيرهم في هذا المجال .
في المقابل تم تغييب عديد الأصوات الرنانة التي تمتلك في جعبتها الكثير من الطاقة و التفرد بالأسلوب المتزن و التعليق المحترف الذي يزيد اللقاء جمالا و يجعل المتلقي يعيش أجواء المباراة بأكثر حماس و تشويق و إثارة , حتى و إن حضرت في بعض المنابر  لا تزال تتشبث بمراكزها الهشة بعد سطوة الاخرين عليها و مواصلة البعض الاخر البحث عن إقصائها.
هذا الذي جعل الكثير من الأكفاء يكتفون بدور المشاهد و خير بعضهم البقاء خلف الستار محبطا يائسا و هو يشاهد بتعجب و غرابة ما يحدث و يتحسر على ما وصل له مجال التعليق الرياضي محليا من إنحدار و سقوط رهيب و سريع في غياهب التقليد و الولاء .

وسام بالحاج

 

الإذاعة الجهوية الأولى بالمهدية Ambiance FM

إذاعة جمعياتية متخصصة منضوية تحت لواء جمعية قصور الساف للشباب والثقافة و الإعلام، مدعمة من وزارة الشؤون الثقافية في إطار البرنامج الوطني"تونس...مدن الفنون"

المدير العام المؤسس : محمد أمين عبد الواحد

العنوان: دار الثقافة قصور الساف، شارع الحبيب ثامر 5180 قصور الساف

الهاتف : 52911306
الفاكس :73665292