السيادة للشعب : بقلم الأستاذ وسام بوزيد
- الخميس 07 ماي 2020 13:28
الشعب تحرّك لسيادته و كرامته منذ عشريّة فنزع حكام و جيء له بآخرين على أمل تغيير الحال و الدفع بالوطن للأمام ، غير أن تلك الثورة بدل أن تكون منديل يوسف أصبحت عصى موسى شقت و قسّمت الوطن و المجتمع تقسيما حتى أن الشعب التونسي جرّد غصبا عنه و في سلب واضح لإرادته مسبقا من أهم مكاسب الثورة و هو الحق في مراجعة السياسات الإقتصادية و الإتفاقيات التجارية و الخيارات الدبلوماسية الغير متكافئة المؤدية للتفريط في مكتسباته و مقدراته و ثرواته المادية و البشرية فضلا عن إنهيار ظروفه المعيشية و تراجع مقدرته الشرائية و تفشي الفقر و والجريمة و الفساد و التهريب و المحاباة و كل المظاهر المخلّة بالتوازن المجتمعي و النفسي للفرد و الجماعات، و تدهور بالمؤشرات الإقتصادية و نسب النمو و التنمية ، كما أفضت لضرب مفهوم الدولة الوطنية المدنية المستقلّة بمؤسساتها و كفاءاتها فأصابت كل المنظومة و الهيكلة و شتّت الوحدة المجتمعية بخلق المجموعات و الجماعات بحسب الإنتماء و الإصطفاف .فهلك زرع الثور و الحصاد كان لا شيء غير فتات من حريّة التعبير المكبّلة بعدم المخالفة و القدح في السلطة و في من يحكمون مما لا يتناسب و ما طمح إليه الشعب .
يا من تحكمون لماذا كلّ هذا الفزع و التوتر و العصبية و فقدان الحكمة في التسيير و إستعجال الحلول و المواقف السريعة بالتهديد والوعيد و التوعّد و الهرولة لتقديم القضايا، و المنابر الإعلامية للتهجم على الخصوم السياسيين و تهديد الشعب و تخويفه من الفوضى و التقاتل ، هذا فضلا على هجوم جيوش الذباب الأزرق قذفا و سبّا و شتما و هتكا لأعراض الناس و الأشخاص في تدني أخلاقي و سقوط لفظي تجاوز كل المعايير و المحاذير .
لماذا كل هذا الغلّ على شعب صاحب سيادة فوضكم السلطة ألا يحقّ له تصحيح المسار و تغيير الحكّام كلّ ما دعت الضرورة لذلك خاصة مع تدهور كل مظاهر العيش الكريم في وطنه.
يا سادتي يا من أتت بكم ثورة جانفي إن المطالبة بحل البرلمان أو إقالة الحكومة أو رحيل الرئيس ليست رجس من عمل الشيطان المعادي لثورة الكرامة و الحرية المباركة و لا تعديا على الشرعية و نتائج الصندوق النزيهة جدّا و المبهرة للعالم في حالة وعي يقطر وطنيّة. و ليست خيانة أو غدر يشبه ما تفعلون في الوطن بل هي أعلى مبادئ الديمقراطية فالشعب و وفق ما خوّله له الدستور يطلب تغيير السياسات و معها الحكام الذي جلدوه و جوّعه و إمتصوا دمه و رزقه و عرقه فهل من باب الديمقراطية و التداول السلمي على السلطة توظيف جهاز أمني و جهاز قضائي لمواجهة غليان الشعب و إحتقانه على من يحكمه و يهينه و ينهبه ، هذا الشعب الساخط على حكامه و سياسييه الذين ركبوه و مسحوا بكرامته الأرض خلال العشرية الأخيرة .
ألى يحق للشعب إسترجاع كرامته و وطنيّته أم ان الكرامة و الوطنية حكر لمن يحكم ؟
ألى يعتبر توظيف الجهاز القضائي لخدمة مصالحكم و ترسيخ إمتيازاتكم تطويع له لخدمة السلطة و بالتالي ضربا لمصداقيته و هتكا للعدالة و تشليكا للمنظومة القضائية مفهوما و هيكلة على غرار كافة مؤسسات الدولة منذ ثورة شتاء تونس و الغمة التي رافقتها.
أليس الشعب صاحب السيادة و بنصّ الدستور هو من يعطيها و هو من يسحبها ؟ أم ان كل تحرّك شعبي مخالف لمصالحكم و إستكراشكم و تمعشكم و نهبكم و فسادكم و سرقتكم هو إنقلاب على شرعية الصندوق !!! ألم يكفيكم التهديد بالسحل والإعدامات بالساحات العامة !و التشفي بخصومكم حتى الموت بالسجون أم أن ذلك لم يرضي بعد نزعتكم الإنتقامية ! من أناس و نظام أكفئ منكم و بالأرقام حللتم مكانه كبديل فهلكتم الحرث و الزرع كالجراد.
أليست السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة ما بعد الثورة هي سبب الوضع الإقتصادي المتردي مع شبه إفلاس للدولة؟ مع إستفادة الحركات الدينية (الإسلام السياسي) و مشتقاته و من ولاهم و تقرب منهم و من إنتمى إليهم من حصاد الثورة و ثمارها برغم أنهم ركبوها ركبا و نسبوها إليهم في نكران تام لدماء الشهداء و من دفعوا حياتهم أو اجزاء من أجسامهم لإرغام النظام السابق على الرحيل.
ألا يعتبر إستسهال هذه الحكومة كسابقاتها اللجوء للقروض والمديونية المفرطة و المشروطة و العديمة و توريط الدولة و إغراقها بكتلة ديون تقارب الثلاث أرباع الناتج المحلي مع الشكوك المتزايدة عن عدم القدرة على تسديد الأقساط خاصة مع خدمة الدين المرتفعة ، لن يساهم إلاّ في مزيد إرتهان الدولة التونسية للخارج و تبعيّتها و المساس بإستقلالية قرارها و ضرب لسيادتها و تفقير الشعب و مزيد تجويعه و تدهور مقدرته الشرائية و المعيشية ليرتفع تبعا لذلك منسوب السخط و الإحتقان على من يحكمون بإسمه .
في ضلّ الشكوك المتزايدة أليس من حق الشعب التونسي معرفة كل الحقيقة المحيطة بإستفحال ظاهرة المديونية للدولة خلال العشرية الأخيرة و الأرقام الصادمة عن مبالغ القروض و الهبات لمستوى مهدّد لكيان الدولة و إستقلاليتها و سيادتها و بيان عمليات إنفاقها و أوجه صرفها في شفافية و وضوح و أيضا علاقات الدولة التونسية بالمانحيين الدوليين و الشركاء الإقتصاديين و التجاريين و كافة الإتفاقيات و العقود التي أمضتها و ستمضيها الدولة التونسية بما يعزز دور و سيادة الشعب على ثرواته في وطنه ، لا أن يكون الشعب خادم مطيع لمن يحكمون الذي هم بدورهم خدم و غلمان لدى أسيادهم كل و المحور الذي يدعمه و يناصره و يسبّح بحمده حتى لو كان على حساب سيادة الدولة و إستقلالية القرار فيها .
و طالما أن التوضيحات لم تأتي من السلطة تزامنا مع تدهور كل المرافق الحياتية العامة و الخدمات الصحية و التعليمية و الإجتماعية و تهاوي كل أسس الحياة الكريمة في ضلّ تفشي مقنن للفسادة و بحماية سياسية و قانونية للفاسدين و المهربين و مظاهر ثراء للسياسيين و من ولاهم و ناصرهم فإنه و بسلطة الدستور الذي كتبتم يا من تحكمون من حق الشعب أن يتحرك و أن يدافع عن حقّه بالعيش الكريم و حماية الوطن من التقسيم و بيعه بالتفصيل لداعمي من يحكمون .
يا سادتي الشعب التونسي لا يريد صراع محاور و إصطفاف من صباحيّة فرنسا و قوّادة الإمارات و لا غلامان قطر و حريم السلطان العثماني . الشعب إن أراد إسترجاع السيادة فلأنكم خنتم الامانة و خدمتم كل شيء إلاّ خدمة الصالح و الشأن العام .
يا من تحكمون لقد جعلتم من البلاد مومس و سلبتموها كرامتها و أبحتم كلّ القذارة و الفساد و العفن ، صدءتم أذاننا بالثورة المضادة فما فعلتم في عشرية غير التمعش و الإستعلاف و النهب و التسلط و ملئ حساباتكم انتم و ذويكم على حساب قوت الشعب و عرقه و سيادته .
ألا يعتبر البرلمان الحالي بنوابه و رئيسه و مكتب المجلس مساهما في ترذيل الحياة السياسية و تقزيم السلطة التشريعية و تشليكها و السقوط بها من مؤسسة سيادية و طنية لمزرعة و بؤرة لتوتير المناخ العام و الشحن و التقسيم و تقنين للفساد و التهريب و الإفلات من العقاب و التحايل على القانون و بيع البلاد مقاسمة و تمرير القوانين المرتهنة للبلاد و العباد و إنتهاكا لسيادة البلاد في تضارب لمصالح الوطن و الأحزاب .
ألم يصل للبرلمان عبر نظام أكبر البقايا أناس متشدّدين إيديولوجيا لا يؤمنون بالدولة و لا بالقانون و يعطون صورة خارجية سيّئة عن الوطن .
أليس من حق الشعب المحاسبة و المراجعة و تصحيح المسار!!! ثم كيف وصل هؤلاء لكرسي البرلمان ! أليس بنظام إنتخابي وافد على شاكلة برلمان "بول بريمر" ! قُدَّ و خِيطَ بإحكام حتى تكون السلطة مشتّتة تشاركية تقاسمية للغنمية في مزيد إغراق البلاد في فوضى توزع السلطات بين الرئاسات و لا أحد منهم يحكم فعليات إلاّ عبر صفقات .
فهل هذا النظام السياسي الهجين و المسخ بإمكانه إصلاح حال البلاد و العباد ؟ لا و الّله فكل يوم تغرق البلاد و العباد أكثر و أكثر . ومع هذا الغرق ألا يحق للشعب طلب التغيير لكي ينقذ ما إستطاع إليه سبيلا بعد أن أتـــى الجراد على الأخضر و اليابس .
أم أن النظام الديمقراطي بالمَقَاسْ و المِقيَاسْ المُمْلىَ و المسلط علينا يبيح كل المحظورات للسلطة؟ ! و يمنع الشعب من الإستفسار و التساءل و التعبير عن غضبه تجاههم؟ !
فما دور الشعب إن لم يتحرك لحماية الوطن من نظام سياسي ممسوخ و سلطة فاسدة و متسلطة و عائقة و مشتّتة؟
أخطئتم العنوان بتهديد كلّ من عارضكم و خالفكم لأنكم راحلون يوما ما و سَتُلعَنُونْ و تُذْكَرُونْ على أنكم خائنون لأمانة الوطن و بائعون لسيادته.
أما نحن أفراد الشعب أصحاب الوطن و السيادة باقون و لغيركم ناقدون و للوطن مصلحون و لتغيير وضعه سائرون عاملون مضحون ، و تحركنا سيكون على شاكلة منديل يوسف الذي أردناه منذ عَشْرِ مَضَتْ لأنّنا أصحــــــــــــــــــــــاب السيادة.
عاشت تونس حرّة مستقلّة واحدة موحّدة و عاش الشعب صاحب السيادة.
وسام بوزيد
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي Ambiance FM وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.