الحكم بين الأمس واليوم : بقلم الأستاذ علي مصابحية
- الجمعة 01 ماي 2020 00:47
الحديث في السياسة بمصطلحات "الراعي والرعية" إهانة لقيم المواطنة والحرية والمساواة التي اكتسبت.
تحكم الشعوب اليوم بالدساتير والمعاهدات والقوانين واللوائح والأنظمة، والبلدان العربية طورت تراثا قانونيا وتنظيميا هائلا يجب أن ينفض عنه غبار الأمية والجهل لقراءته والعمل به.
كان الحاكم في الماضي هو كل شيء: السلطان والقاضي والقائد والمحقق والمعطي بلا حساب حسب مزاجه ورغبته. وفي هذا الجو الاستبدادي نشأت النصائح والأحكام السلطانية التي تتسول الإحسان والرحمة والعطف من الحاكم وكل ما ترجوه أن يخفف من استبداده ويقلل من عدد الرؤوس التي ستطير بسيفه ، وتحصر السياسة في "أخلاق" الحاكم و"تقواه" و"رحمته" بالرعية.
أما اليوم فالحاكم موظف مقيد بالقوانين، ولم يعد الشعب رعية بل مواطنين يستطيعون محاسبة ومراقبة وإزاحة أي حاكم فاسد بالقانون. العلاقة بين المواطن والمسؤول لم تعد قائمة على "المحبة والعطف والإحسان"، هذه لغة سياسية منقرضة. هناك دستور مدني وقوانين ملزمة ولوائح منظمة ورقابة شعبية وحقوق وواجبات وعقد اجتماعي ينتظم حوله الشأن السياسي. لا داعي هنا للتفصيل في النقد التاريخي لنص "العهد" لأن الجميع يعرفون أن علي كان في صراع دام على السلطة مع معاوية.
مأساتنا إن قصة أهل الكهف تتكرر وتعيد خلق نفسها بلا توقف ، يصحون من سباتهم وقد صارت لغتهم قديمة لا أحد يتكلم بها، وعملاتهم منقرضة لا قيمة لها، وأفكارهم وقد تحولت فلكلورا هزليا للتندر والسخرية، ومع ذلك يصرون أن كهفهم هو قمة الحضارة والمدنية والسياسة.
وكم من مهازل تنذر بكوارث
لا بد من التأكيد هنا ان الديمقراطية عملية مستمرة لا تنتهي بوصول حزبك الى السلطة.
أما الإنتخابات فهو وسيلة من وسائل الديمقراطية وليست غايتها.
فإذا فاز حزبك في الانتخابات فهذا لا يعني اعطاءه شيكا على بياض بقمع المخالفين وتدبيج الإتهامات وتدمير الحياة السياسية.
الشرعية الانتخابية ليست ولاية أبدية ولكنها شرعية مؤقتة زمنيا ومحدودة قانونيا وتسقط ما أن يتم الإعتداء على قواعد الديمقراطية.
لا يمكن للعسكريين حماية الديمقراطية إلا على طريقة الدب الذي قتل صاحبه لأنه اراد ان ينش الذبابة التي حطت على وجهه!!!!
وإذا كانت الانقلابات العسكرية خطرا على الديمقراطية فإن تأليه القائد والتوحيد بينه وبين الإرادة الشعبية واغلاق الصحف وكيل الاتهامات بلا أدلة للمعارضين انقلابات على الديمقراطية لا تقل سوءا ولا خطرا عن الانقلاب العسكري.
الديمقراطية تقتضي الفصل بين السلطات وعندما يحاول حزبك السيطرة على القضاء والبرلمان والجيش فهذا تهديد للديمقراطية.
الديمقراطية لا تعني وصول حزبك للسلطة مرة واحدة الى الأبد، وإنما تعني التداول السلمي للسلطة بين الأحزاب المتنافسه
وعندما يسيطر حزب واحد على الرئاسة ورئاسة الوزراء والبرلمان لأكثر من 15 سنة فهذا يعني أن هناك اختلالات في الديمقراطية لا بد من حلها.
لا يمكن تصحيح أخطاء الديمقراطية بالإنقلابات ولا بالمزيد من الإجراءات الشمولية للحزب الحاكم لأن الديمقراطية تصحح نفسها.
قد تكون الديمقراطية في خطر بسبب بيادة العسكر.
لكنها قد تكون في خطر أكثر بسبب حذاء الزعيم.
وقد تكون في خطر إذا تجمعت كافة السلطات في يد حزب او شخص.
والنضال الحقيقي من أجل الحرية يعني تحرير الرقاب من كل أنواع القمع لا المطالبة بتحسين نوعية الحذاء او تغيير ماركته.
علي مصابحية
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي Ambiance FM وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.