الحذر البيداغوجي في زمن الحجر: بقلم الدكتور مراد البهلول
قامت وزارة التربية مشكورة ببعث قناة تربوية ذات مهمة تعليمية بالأساس وذلك من خلال تنظيم دروسا في مجالات متعددة تبث على كامل تراب الوطن. ولعل هذا البث لهذه الدروس هو ما يوفر فرصة تعلم امام وضعية قسرية حتمت على التلاميذ الدخول في حجر صحي وذهني ومعرفي.
ليس مقصدي هنا ان اقيم بعمق البعد التعلمي والبيداغوجي والمضموني لهذه الدروس ومدى انسجامها مع معايير الجودة.
 
ان هدفي اكثر تواضعا واقل تحديا. ساكتفي بان اسوق مجموعة من الملاحظات ذات اعتبارات بيداغوجية اساسا.
ما اود التاكيد عليه في البداية هو عدم ارتقاء هذه الدروس في بعدها المعرفي واقصد المضامبن المعرفية التي تبثها الى المستوى المطلوب مما قد يعطي صورة سيئة على الاساتذة والمعلمين لدى الراي العام.
واني متاكد ان المدرسة التونسية تزخر بكفاءات ارقى بكثير مما يعرض على شاشات التلفزة. فما يقدم تلفزيا هو شبيه بما هو حد ادنى بل بما هو بخس. ولست أدري معايير انتقاء المدرسين التي اعتمدتها الوزارة. هل لم تتخلص بعد من عقلية هذا متاعنا. ولا اريد ان ادخل هنا في جدل عقيم حصنت منه نفسي لسنوات مع القائمين على هذا الشان. اكاد اقول ان هذه الدروس لا تقدم زادا معرفيا ثريا يكون موضوع تعلم. بل لعلها اقرب الى التسطيح المعرفي.
اريد ان ااكد ان هذا التسطيح المعرفي المهيمن اليوم قد ارتفع تسق تواتره عن طريق الرقمتة والوسائط الرقمية. اذ تنشر عن طريق الفيسبوك وميسنجر وواتساب الخ ما يشبه الدروس وهي من الرداءة ما قد يجعلها تبث سموما اكثر منها معارف في غياب اي رقابة بيداغوجية ومعرفية. وقد نجد كثيرا من المدرسين والمدارس الخاصة من اتجه نحو هذا التسطيح المعرفي. فلنحترز منه كثيرا. وادعو الاولياء الى التريث والحذر من هكذا معارف لأنها تنحدر في كثير منها الى مستوى الكوارث لما تحمله من اخطاء معرفية ومنهجية.
اعود بعد هذه الملاحظة الى الدروس التلفزية. لا أشك اطلاقا ان المعلمين والاساتذة يتفاوتون في مستوى المعرفة والصناعة البيداغوجية وكان من الافضل على وزارة التربية ان تنتفي ما هو أفضل.
وانا على يقين ان لدى المدرسة التونسية الكثير من الكفاءات التي تمثل فعلا ثروة وطنية. ولذلك اكرر سؤالي لماذا تشبثت وزارتنا بهذا المستوى من الدروس وكان عامة الناس ليس لها الحق الا فيما هو بخس ولا يرتقي الى مستوى الاستحسان والرضى. وكان من المفروض ان ترتقي هذه الدروس الى مستوى اشارات الطمانة على مستوى ما يقدم لتلاميذنا في المدارس والإعداديات والمعاهد.
ولكن يبدو ان مستوى ما يقدم هو ايذانا بزمن سوف تهيمن عليه غريزة السطحية والعروشية والقبلية. اما على المستوى التعلمي/التعليمي والبيداغوجي فالامر يبدو اكثر رداءة . فهذه الدروس بحكم طبيعتها لا ترتقي الى مستوى الوضعيات التعلمية وذلك لاعتبارات متعددة ساسوقها بايحاز.
اولا : تمثل هذه الوضعيات دروسا تلقبنية يغيب فيها التفاعل وتختزل مهمة التلميذ في المتابعة والتلقي كما لو انه يتابع خطبة او في اقصى الحالات شريطا وثائقيا.
ثانيا : لا نجد في هذه الدروس ما يشير الى ادنى مقومات الهندسة التعلمية: غياب وضعيات المشكل و غياب التعليمات الموجهة لعملية الفهم و غياب وضعيات الادماج الى جانب عدم ربط المعارف فيما بينها. والمعارف التصريحية والاجرائية موضوع التعلم تكاد تكون منعدمة.
ثالثا : لا احد من التلاميذ يجد نفسه في هذه الدروس لانها تتوجه الى ءات متعلمة هي اقرب الى الذات الخيالية والابستيمية. التلميذ في معنى الذات المتعلمة في فرديتها و خصوصبتها وخصوصية صعوباتها وعوائقها لا معنى لتواجده في هذا المناخ التعلمي. ان التعلم لا يحصل بمحرد القاء او تشر معارف و انما يحصل بفضل هندسة بيداغوجية وتعلمية يبلورها وبصوغها ويمارسها المدرس انطلاقا من معايشته لحاجات تلاميذه ولاسالبيهم التعلمية وصعوباتهم ودافعيتهم الخ. العلاقة البيداغوحية المشخصنة هي ارقى انواع العلاقات التربوية وهي اكثرها نجاعة.
خامسا :تفتقد هذه الدروس الى عملية ادماج للمكتسبات السابقة. فهي تتواتر وفق نسقية خطية دونما اكتراث بالشبكات العلائقية بين المعارف والمفاهيم.
سادسا: الوظيفة التقييمية في بعدها التكويني مقصية تماما. تقدم الدروس وفق زمنية خطية كما لو كان التعلم يحدث لدى التلميذ بشكل ميكانيكي دونما مقاومة. فتشخيص العوائق او الاقل التنبيه اليها يبدو غائبا تماما عن هذه الدروس.
لا اهدف هنا الى زرع مشاعر الاحباط من هذه الدروس. ولكنتي عمدت الى التنبيه الى ما قد اصابها من رداءة قد يكون اثرها وخيما على التعلم وذلك امتثالا لقول باشلارد ان معرفة خاطئة هي أخطر من لامعرفة.
 
مراد البهلول

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي Ambiance FM وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.

الإذاعة الجهوية الأولى بالمهدية Ambiance FM

إذاعة جمعياتية متخصصة منضوية تحت لواء جمعية قصور الساف للشباب والثقافة و الإعلام، مدعمة من وزارة الشؤون الثقافية في إطار البرنامج الوطني"تونس...مدن الفنون"

المدير العام المؤسس : محمد أمين عبد الواحد

العنوان: دار الثقافة قصور الساف، شارع الحبيب ثامر 5180 قصور الساف

الهاتف : 52911306
الفاكس :73665292