الثقافة في مواجهة تأثيرات جائحة الكورونا: بقلم الأستاذ علي مصابحية
- السبت 14 نوفمبر 2020 11:20
تكريما لروح صديقنا الأستاذ علي مصابحية تنشر إذاعة Ambiance FM اليوم هذه المقالة التي كتبها الفقيد منذ أيام .
لم يشهد العالم أزمة تاريخية وإنسانية حرجة ، فعلى رغم كل الحروب المدمرة والأوبئة والمجاعة والطاعون وكل الكوارث الطبيعية.. لم تعرف الانسانية مثل هذه الجائحة كورونا أو ما يعرف بكوفيد 19 ، جائحة الكورونا التـي كانت لها العديد من التأثيرات في الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية . واتخذت هذه التأثيرات جانبا سلبيا كبيرا فقد انهار الاقتصاد وارتفعت نسبة البطالة وتدهورت المقدرة الشرائية وعلقت الأنشطة الثقافية.
في هذا الإطار يتنزل تضرر القطاع الثقافي بمختلف هياكله والمتدخلين في صناعته من هذه الجائحة وشملت الأضرار المؤسسات الثقافية العمومية والخاصة وشركات الإنتاج والتوزيع والمثقف والفنان والمؤسسات الناشئة .
لقد أثبتت التجربة أن القطاع الثقافي كان من اكثر القطاعات هشاشة وعانى ولا يزال من تبعات كل ما يقيد حرية الفاعلين في الصناعة الثقافية خاصة وأن هذه الحرية باتت مصادرة من عدو غير تقليدي، عدو غير مرئي، عدو نكل بكل المدافعين والمحبين للحياة، إنه الوباء الأكثر غموضا علميا، إذ لم تتمكن كبرى الشركات والمخابر العملاقة من فك شفرة العقار المناسب الذي يشفي البشرية جمعاء من هذه الجائحة .
فما هي المقترحات الأقرب عمليا لتجاوز الأزمة ؟
في قراءة سريعة يمكن اقتراح اعتماد مجموعة من الإجراءات التي من شأنها أن تساهم في تطوير واقع الثقافة في تونس ومن بين هذه الإجراءات يمكن أن نذكر ما يلي :
- الترفيع في الميزانية المخصصة للمنح الاجتماعية الظرفية لتستوعب العدد الكبير من منظوري القطاع الثقافي والذين تضرروا من إيقاف الانشطة الثقافية .
- مزيد تفعيل الاتفاقية المبرمة بين الوزارة والمؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة خاصة في مجال المساعدات الظرفية الاستثنائية.
- العمل بالتنسيق مع وزارة المالية قصد تغطية العجز الحاصل في صندوق الضمان الاجتماعي في حدود 5 مليون دينار وذلك في محاولة لضمان كرامتهم و مساهمة في تحسين ظروف عيشهم وتمكينهم من مجابهة الوضعيات الاجتماعية والصحية التـي يمرون بها .
- مراجعة أنظمة الضمان الاجتماعي خاصة من خلال الترفيع في الجراية الشهرية للتقاعد ( تنقيح وإتمام القانون عدد 104 لسنة 2002 المؤرخ في 30 ديسمبر 2002 المتعلق بإحداث نظام للضمان الاجتماعي خاص بالفنانين والمبدعين والمثقفين وخاصة مراجعة مسألة انتفاع الأشخاص الخاضعون لهذا القانون بمنافع نظام التأمينات الاجتماعية المنصوص عليها بالقسم الأول من الباب الثاني من العنوان الثاني من القانون عدد 30 لسنة 1960 المؤرخ في 14 ديسمبر 1960 المتعلق بتنظيم أنظمة الضمان الاجتماعي ) .
- الانطلاق الفوري في استشارة وطنية حول تطوير وضعية المثقف والفنان التونسي لمجابهة وباء الكورونا.
- التسريع في اصدار قانون الفنان والمهن الفنية .
- الإنطلاق الفوري في اعداد جرد وطنـي للفاعلين الثقافيين يحمل البيانات الاحصائية الضرورية حسب المجالات والاختصاصات والموقع الجغرافي و الوضعية القانونية ( خاص او عمومي أو وقتـي أو عرضي ، إداري أو تقنـي ،... ) ، المضمونين الاجتماعيين، المتوجين، الحالات الهشة ، ويكون منطلق الاصلاحات وفق جدول قيادي صحيح يترجم بدقة الوضع الحقيقي للمشتغلين في القطاع.
- الانخراط في البرنامج " صمود الفن ResiliArt " فنانون و إبداع يتجاوزون الأزمة " المعلن عنه من قبل منظمة اليونسكو والذي شمل أكثر من 60 دولة.
- تطوير الثقافة الافتراضية وذلك بتنظيم معارض فنون تشكيلية وزيارة متاحف وتنظيم حفلات فنية عن بعد ، ففي الأزمات على اختلاف حجم مخاطرها يجب على الفعل الثقافي أن يصل إلى الناس ، فسرعان ما وجدت الثقافة طريقها إلى الناس حيث هم في بيوتهم، عبر المواقع والمنصات الافتراضية، التي طوت المسافات بين الجميع ليواصل الفاعلون الثقافيون، أفرادا ومؤسسات، تقديم برامجهم عن بعد، عبر التقنيات الحديثة التي تتوسط بين منتج الثقافة ومتلقيها. وحتى أولئك الذين كانوا يعتبرون زيارة المتاحف العالمية مجرد أحلام مشروعة، صار في إمكانهم أن يقوموا بزيارات مجانية لهذه المتاحف، بعدما أتاحت وزارات الاشراف فرصة للتجول الافتراضي.
- اضافة منصة رقمية وطنية ذات اشعاع عالمي تابعة لوزارة الشؤون الثقافية وتشمل كل الاختصاصات الفنية ،السمعية منها او البصرية او المكتوبة ، و تكون بمثابة قاعة عرض افتراضية للجمهور و صانعي الابداع ...ليصبح لكل مبدع الحق في بث مصنفه الثقافي من خلال هذه المنصة الرقمية و له الحق في نسبة 70 ٪ من مداخيل الاشهار و نسبة اخرى من المداخيل على عدد المشاهدين تحدد لاحقا بالتشاور مع الفريق التقني و الترويجي الذي سينكب على تنفيذ المشروع .
- تطوير الإطار التشريعي والقانوني لصندوق التشجيع على الابداع الأدبي والفني وتحويل صيغته القانونية من حساب صندوق خزينة إلى شكل آخر ( منشأة عمومية مثلا ) أو إحداث مؤسسة عمومية يعهد إليها بآليات الدعم العمومي في القطاع الثقافي قصد تبسيط ومقصلة الإجراءات الإدارية والمالية وجعلها أكثر ليونة .
- تحويل المنابات والاعتمادات بعنوان حقوق الملكية الأدبية والفكرية إلى المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
- دعوة المصالح المختصة بوزارة المالية إلى تمكين الوزارة من العائدات الخاصة بصندوق التشجيع على الابداع الأدبي والفنـي لتغطية التأثيرات الاجتماعية لجائحة الكورونا.
- دعم بروتوكول صحي يلائم بين تواصل النشاط الثقافي والوضع الصحي بالبلاد التونسية بمشاركة الهياكل المعنية .
- تمكين مؤلفي النصوص الأدبية والعلمية والفنية من العائدات المالية التي يحصلون عليها بعنوان حقوق الملكية الأدبية والفكرية.
- إدراج أحكام خاصة بتشجيع القطاع الخاص على تمويل المؤسسات والأعمال الثقافية من ذلك طرح الرعايا المسندة إلى المؤسسات أو المشاريع او الأعمال ذات الصبغة الثقافية من المعاليم الجبائية.
- بالنسبة للكتاب، يمكن إبرام اتفاقية مع منصات البيع en ligne وذلك بغاية إنعاش القطاع، وهي فرصة للترويج الكتاب التونسي الذي عانى وأهله الويلات السابقة والحاضرة وربما اللاحقة من حيث انعدام آفاق الترويج ، وعلى أن يعهد ذلك إلى ادارة الكتاب لمتابعة تجسيم المنشود بالاستئناس ببعض التجارب .
- ضرورة دعم التعاونية والوداديات وتفعيل مصلحة العمل الثقافي والاجتماعي لمزيد التعهد والرعاية والاحاطة بالزميلات والزملاء العاملين بالقطاع في هذا الظرف .
تلك مقترحات سريعة عساها أن تطرح نقاشا وتفاعلا يجنب القطاع الثقافي وأهله من تداعيات غير محتملة لهذا الفيروس الذي لم يميز بين الأشخاص ولا بين الفئات الاجتماعية ولا بين المجتمعات سواء كانت متقدمة أم متأخرة، وحسبنا أن الأمل في حكمة المسؤولين وخصوصا الفاعلين في الشأن الثقافي مهمة جدا لاحتواء هذه الأزمة وتجاوز ما انجر عنها من صعوبات.
فهل ننجح !؟ نعم سننجح.
علي مصابحية