أَلمْ يَحِنْ التَغْيِيِر ْ؟ .. بقلم الأستاذ وسام بوزيد
- الجمعة 22 ماي 2020 21:51
عديدة هي الهانات المحمولة على النظام السياسي للجمهورية الثانية فهو على شاكلة "صحن تونسي" فيصعب تصنيفه لأنه يأخذ من كلّ شيء بطرف بمعنى أنه نظام ممزوج ومركّب فالمشرعون لم يعملوا على إقامة توازنات جدية بين السلطة التشريعية و التنفيذية و بين رأسي السلطة التنفيذية في ما بينهم بقدر حرصهم على إفتكاك صلاحيات و "تلقيش " أخرى ليبقى الثقل الحقيقي بيد رئيس الحكومة غير المنتخب على عكس رئيس الجمهورية و النواب، فهو مسؤول أمام البرلمان الخاضع لتوازنات المصالح لا أمام رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب و بالتالي فالسلطة بيد البرلمان و الحزب الأغلبي و كل الأحزاب و النواب المتحالفة ليخضع رئيس الحكومة صاحب السلطة التنفيذية لكواليس و مقاسمات و إستراتجيات أحزاب الغنيمة و المغانم.
فمن النقاط السلبية التي تطرح إشكالات أن الدستور فَصَلَ السياسة الخارجية والدفاع التي تم تضمينها في صلاحيات رئيس الجمهورية عن السياسات العامة للدولة التي بيد رئيس الحكومة، والأهم هو كيف سيتم تقريب وجهات النظر بين الطرفين في تطبيق هذه السياسات المرتبطة ببعضها؟ خاصة و أنه تم التنصيص ببعض الفصول على مسألة التشاور بين رأسي السلطة التنفيذية بدون التنصيص على كيفية حل الإشكال إذا لم ينجح التشاور بين الطرفين و بقي فراغا دستوريا كأحد مظاهر قصور دستور الجمهورية الثانية ، كما أن النص الدستوري لم يتطرق لكيفية حلّ إشكالية تدخل رئيس مجلس النواب في السياسة الخارجية للدولة التونسية و التي هي من صميم صلاحيات رئيس الجمهورية .
إن من مظاهر هشاشة النظام السياسي و سكوت النص الدستوري انها تتطلب حتما توافق تام بين رأسي السلطة التنفيذية و التي بالممارسة تبيّن أنها صعبة المنال لتحل بدل منها صراع صلاحيات و توازنات و اصطفاف لتكون الضحية الدولة و مؤسساتها و الشعب و المناخ العام بالبلاد الذي يتدحرج من سيء لأسوء نتيجة المجلس النيابي الحالي ،فالصراع في الفترة النيابية الحالية انتقل من رأسي السلطة التنفيذية إلى تصدع مكشوف و خطير و صراع و مواجهة محفوفة بالمخاطر على استقرار البلاد بين رئيس الجمهورية و رئيس مجلس النواب في مرحلة حرجة للوطن والشعب و حرب طاحنة على حدودنا الجنوبية و أزمة صحية مخيفة نتيجة وباء عالمي و تأثيراته السلبية الاقتصادية و الاجتماعية و الصحية .
إذا فنحن إزاء تناحر سلطة و صلاحيات و حرب الكلّ ضدّ الكل و غليان شعبي و اجتماعي نتيجة نظام سياسي هجين يعتبر من الأسباب الأساسية لأزمة إدارة البلاد و حالة الشلل العام و تعطل كل القطاعات و تدهور كلّ المؤسسات في غياب الأقدر على اتخاذ القرارات المصيرية و الموجعة للدفع بالبلاد خطوة إلى الامام .
فصعود مجلس نيابي فسيفسائي يخضع للمصالح و التكتلات و التحالفات و البيع و الشراء عَفَّنَ المناخ العام و بدى حاضرا فتيل الاشتعال. فالمتأمل لتركيبة مجلس النواب الحالي و المرجعيات الإيديولوجية لبعض النواب و الكتل و الأحزاب يخاف على سلامة الوطن فهو بات حاضنة تشريعية للإرهاب و الفساد و المهربين و المتهربين الضريبيين و المرتزقة و بائعي الذمم و المتخفيين الصادرة في حقهم احكام قضائية باته و سماسرة الدين و بائعي الأوهام ،فإرتفع منسوب العنف السياسي و اللفظي و الترذيل الأخلاقي و القيمي و السلوكي ، فتم تشريع و تقنين عقد الصفقات و المقايضات و المساومة بالملفات ،ومظاهر إقصاء الخصوم السياسيين ومخالفي و معارضي السياسات المتبعة لإدارة المجلس، و التخوين و التخويف و التهديدات بالتصفية الجسدية و التكفير و إهدار الدم ،كلها جعلت من مجلس النواب عبوة ناسفة للوحدة الوطنية و الأمن القومي خاصة وأنه العمود الفقري لهذا النظام السياسي للجمهورية الثانية،كما باتت مشاريع القوانين و المبادرات التشريعية تقدم بالوكالة و تخضع للمزايدة و المساومة و المقايضة و المماطلة في ضرب لمصداقية السلطة التشريعية و استمرار وجود المجلس على هذه الشاكلة نظرا لتناقض الشرعية مع المشروعية .
تضاف لتركيبة المجلس توليفة الإتلاف الحكومي و ولادتها "المشوّهة "و الخلطة العجيبة الغريبة للأحزاب المكونة لها حيث لا يخفى عمق الخلافات السياسيّة و الإيديولوجيّة والفكريّة التي تميّز بينها ناهيك وأنّ التباينات بينهم لا تنبني على اختلاف سياسي في بعض التوجّهات أو القرارات أو سياسات الدولة أو الأولويّات وإنّما تأخذ الخلافات درجة تخوين بعضهم البعض والاتّهامات المتبادلة بالكذب وبالفشل وبالعمالة وبالإرهاب وبمناصرة الاستبداد وبتمثيل مصالح القوى الأجنبيّة وبالفساد وبالتمويل غير القانوني وبعدم استحقاق الوجود في الحكم أصلا ، فباتت حكومة المقايضات و التنازلات و التمكين و قبر الملفات و إغراق الإدارة بتعينات حزبية و عائلية و جهوية ، فهي حكومة تفقير الشعب و سلخ الأجراء و تسمين الفاسدين و الوزراء و المسؤولين بمزيد إنهاك ونهب المالية العمومية فحادت عن القضايا الرئيسية للشعب و غيّبت الأولويات المعيشية و الاقتصادية والتنموية .
أمّا عن تجربة الحكم المحلي فلا يمكن فصلها عن الوضع العام للبلاد و المناخات المتعفنة به فهي لا زالت متعثرة لعدم التجانس واختلاف الرأي وغياب الكفاءات صلب الإدارة البلدية وداخل المجالس المنتخبة مما يسبب رؤية ضبابية و استقالات و تعطل العمل البلدي و شلل الحكم المحلي لغياب التمويلات الضرورية و الاستقرار السياسي و تغول أحزاب بعينها بالبلديات و تمرير مشاريعها الإيديولوجية عبر قرارات تنظيمية كما حدث ببلديتي الكرم و سليمان بإحداث صندوق زكاة في ضرب لمفهوم الدولة المدنية و تعارض تام مع النص الدستوري و كأننا بدءنا بوضع أسس الإمارة ،لذلك أصبحت سلطة الحكم المحلي اداة بعض الأحزاب لمقايضة الدولة و مزيد إضعافها و ضرب وحدتها .حيث يعتبر الحكم المحلي على هذه الشاكلة خنجر في جسد الوحدة الوطنية و سيادة الدولة و سلامة نسيجها الاجتماعي و مدخل للعروشية و الجهوية .
في ما يخص الهيئات الدستورية فإن تركيزها يخضع للمحاصصة و المساومة و كل الممارسات المشبوهة و الغير شفّافه لان قرار تركيبتها بيد الأحزاب وسماسرة السياسة و المتمعشين كهيئة الانتخابات و هيئة الحقيقة و الكرامة المنحلة و غيرهما، حتى أهم هذه الهيئات لم يتم تركيزها بعد وهي المحكمة الدستورية التي بإمكانها التحكيم الدستوري لكل جدل بالقوانين و الاتفاقيات و تنازع الصلاحيات إلاّ أنه يتلاعب بمصير تكوينها لغايات سياسوية ضيقية و أهداف إستراتجية للمضاربين بمصير الوطن و سلامته .
كل هذه العناوين الكبرى للجمهورية الثانية معطبة بفعل سكوت النص الدستوري والنهم السياسي و مصلحة الأحزاب و ممن هم في السلطة فإرادة إرساء الجمهورية الثانية قيّدت بمغانم من يحكمون فخسر الشعب كل ما نادى به من عدالة اجتماعية و حوكمة نظيفة و حماية الحقوق و الحريات و الأمل في العيش الكريم و شفافية المعاملات و ضوح الإستراتيجيات فبقيت أمانيه أضغاث أحلام و سلبت إرادته ،نظرا و ان من انتخبهم و شرفهم بالوكالة ممن ركبوا الثورة و ادعوا البطولات الوهمية قد تحيلوا عليه بخطابهم الشعبوي الاستهلاكي فخانوا دماء شهداء الشعب و الجيش و المؤسسة الأمنية و تخلوا عن مطالب تأميم ثروات البلاد ،و ساهموا في تراجع كل المؤشّرات الحيوية بالبلاد بداية من مدنية الدولة بتمرير مشاريع مسترابة لإيديولوجية سياسية معينة كصندوق الزكاة ، التلاعب بالسلطة القضائية ترغيبا و ترهيبا بتوظيفها لخدمة الحكّام و الأحزاب في ضربا لمبدأ استقلاليتها ، التمكن من مفاصل الدولة و تسخير وزارة الداخلية لخدمة حزب بعينه لقبر ملفات في ضرب لمفهوم الأمن الجمهوري و حيادية الإدارة ،أيضا المؤشرات الاقتصادية كلها حمراء بدون استثناء فالمديونية بلغت أرقام قياسية تجعل شعب الجمهورية الثانية ينتظر إعلان الإفلاس و البيع بالمزاد لوطن رهنه السراق و الناهبين ، تراجع و تدهور الترقيم السيادي ، نسبة نمو ضعيفة فسلبية ، انهيار تام للعملة و ارتفاع صاروخي للتضخم ، أسعار نار و دمار للمقدرة الشرائية ،نسبة بطالة تصاعدية و مخيفة في بعض الولايات ، زيادة نسب الفقر و الفقر المدقع ، انخرام التوازنات الاجتماعية و اضمحلال فئات ،تمزّق النسيج الاجتماعي ، ارتفاع مخيف لمظاهر الفساد و الرشوة و المحسوبية و الولاءات ، تدمير ممنهج للإدارة العمومية و الكفاءات الإدارية الوطنية ،نهب مقنن و ممنهج للمالية العمومية بسبب التعويضات و التعينات الحزبية و الولاءات، توظيف الهيئات و المؤسسات الدستورية لخدمة المصالح الحزبية على حساب الوطن ، تهريب للعملة و تضخيم الحسابات بالبنوك الأجنبية ، تهرب ضربي و تبييض للأموال لشخصيات حزبية معروفة ، إيقافات و سجن للمدوّنين وصحفيين، فساد و إستكراش للمسؤولين المحليين و الجهويين و الوزراء و النواب و المدراء لينخر الفساد كل الهياكل و المؤسسات كالسرطان ، ارتفاع منسوب الجريمة و الانتحار، ازدهار تجارة المخدّرات و القنب الهندي، حرائق متواترة تستهدف مؤسسات بعينها في ضرب لما بقى من الاقتصاد و مفهوم الدولة .
كل هذا التردي و يطلبون من الشعب السكوت و احترام الشرعية و يهدّدونه و يبتزونه و يخيفونه بالحرب الاهلية ، أبعد كل هذا العطب وانحدار تونس للهاوية يطلبون من الشعب عدم التحرك و تصحيح المسار و المطالبة بالتغيير ؟
يا سادتي تونس الجمهورية الثانية مريضة معلولة ، مرتهنة ، واهنة و ضعيفة وهي مهدّد في وجودها و هته العلّة هي نتاج نظام سياسي قدّ في غرف مظلمة و بمقاييس و معايير تثبت اجتماع ثعالب المصالح حول وليمة خيرات تونس ،فتشتت السلطة و ضربت مركزية الدولة و وحدتها لذلك يجب التخلص من هذه العلّة بمرور تونس إلى الجمهورية الثالثة و تغيير النظام السياسي بعيدا عن الانتهازية و المشروعية و الشرعية و التوظيف الإيديولوجي و الحزبي ،الوطن في حاجة للتغيير الآن و قبل الغد لبتر كل أسباب و مظاهر العلّة .
شدّه و تزول يا تونس الخضراء و شفاءك بين أيدي أبنائك البررة لا الخونة و المرتزقة ،لن يخذلك من أحبك يا خضراء فالتغيير قادم ولو بعد حين،صبرك يا تونس على بَلْوَاكِ فشعبك يفديك لتصحيح المسار الخاطئ بالمرور إلى الجمهورية الثالثة بإذن اللّه .....