المهدية: عندما تطوع القوانين لخدمة الإنسانية.. شاب وشقيقته يتمكنان من حضور موكب دفن أمهما بمنزل بورقيبة رغم خضوعهما للحجر الصحي الإجباري

قذفت به لقمة العيش، رفقة أخته، خارج أرض الوطن، لتبقى الإتصالات الهاتفية الرابط الوحيد بينهما وبين أم لم تلد غيرهما، لا عزاء لها سوى الانتظار على أمل عناقهما من جديد.
إنها قصة شاب أصيل منزل بورقيبة من ولاية بنزرت، يعمل منذ سنوات قليلة في مرسيليا بفرنسا رفقة شقيقته، وكان صيف 2019 آخر عهد له بأمه، متى عاهدها على ألا يطول به الغياب هذه المرة.
لم يكن هذا الشاب يتصور أن عودته إلى أرض الوطن ستكون بهذه السرعة، قبل أن تفرض جائحة كورونا الإغلاق على العديد من الدول، ومنها فرنسا، التي مسها الضر، وبات المهاجرون إليها يتمنون الرجوع إلى أوطانهم.

حل الشاب رفقة أخته و146 تونسيا، أمس السبت، بمطار النفيضة بسوسة في رحلة إجلاء أمنتها الدولة التونسية لرعاياها الذين يدخلون مباشرة في حجر صحي إجباري، وفق ما تنص عليه الإجراءات الصحية التي سنتها الحكومة.
ظلت الطواقم الطبية والأمنية، التي أمنت كل الظروف الوقائية لاستقبال العائدين، ترسم خطط النقل الآمنة إلى مركز الحجر الصحي بولاية المهدية، إلى أن حانت لحظة توزيعهم على الحافلات المخصصة للغرض، وانطلقت رحلة الحجر.

يقول الدكتور سمير لحول، مدير الصحة الوقائية بالإدارة الجهوية للصحة بالمهدية، في تصريح خص به "وات"، "ما إن وصلنا فندق الحجر الصحي، حتى بلغ الشاب خبر وفاة والدته، ولم تكن تحمل فيروس كورونا". وتابع:"لاحظت مع عدد من أعضاء الفريق الطبي المكلف بمراقبة ورعاية المحجور عليهم صحيا، أن شيئا ما أصاب الشاب وأخته، وخلنا للحظة أنهما مصابان، وحالتهما تدهورتا".

"تقدمنا من الشاب وأخته وحولنا عبور الباقين إلى غرفهم إلى معبر آخر حتى يبقيا بمفردهما، سألناهما مرارا عن سبب البكاء وغصة الصدر وهذه الدموع والحسرة...تتالت الأسئلة دون إجابة"، يضيف لحول. "لم نكن نعلم ما الذي يحدث.. تراجعنا عنهما وناقشنا الموضوع، فحتى وإن كانا مصابين بفيروس كورونا فإنه لن يبدو عليهما مثل هذا التأثر والألم خاصة وأنهما لم يشتكيا من شيء طيلة الرحلة. لذلك بدا لنا من قبيل المؤكد أن خبرا مؤلما ما قد بلغهما"، يوضح محدثنا، ثم يضيف "قررت أن أعيد السؤال بمفردي، فعدت إليهما ووضعت يدي على كتف الشاب، الذي قال لي إن أمه فارقت الحياة، وعلمت منه أنه لا أبناء لها غيرهما".

ويؤكد الدكتور أنه اتصل وقتها بالمديرة الجهوية للصحة وبوالي الجهة ليعلمهما بالأمر. وبعد التشاور، قرر الوالي أنه من الضروري أن يحضرا دفن والدتهما، لكن في ظل توفر تأمين صحي كامل.

وأوضح سمير لحول أنه جرى توفير سيارة إنعاش قدمتها إحدى المصحات الخاصة بالجهة، وتكليف عون صحة بمرافقة الشابين إلى مسقط رأسهما منزل بورقيبة وملازمتهما طيلة المراسم، مع مراعاة عامل التباعد الإجتماعي، وارتداء الملابس الواقية.

ووفق وصف عون الصحة الذي رافق الشابين، فإن مراسم الدفن حضرها عدد قليل جدا من الأشخاص، في ظل تواجد للأمن وإطار طبي تابع للإدارة الجهوية للصحة ببنزرت.

وأفاد العون بأن مراسم الدفن لم تدم سوى ساعتين، ليتم إعادة الشابين إلى مركز الحجر الصحي بالمهدية أين سيمضيان 14 يوما يخضعان فيها، كغيرهم من النزلاء، إلى مجموعة من التحاليل.

وتأتي هذه الحادثة المضمخة بالألم، وكذا تفاعل المسؤولين الإداريين وإطارت الصحة في المهدية مع هذه الوضعية الاستثنائية، لترسخ القناعة بأن القوانين والإجراءات لم تصنع إلا لخدمة الإنسانية متى توفرت الإرادة في حمايتها من الإنحراف عن هذا الهدف

جمال رمضان - وات

 

الإذاعة الجهوية الأولى بالمهدية Ambiance FM

إذاعة جمعياتية متخصصة منضوية تحت لواء جمعية قصور الساف للشباب والثقافة و الإعلام، مدعمة من وزارة الشؤون الثقافية في إطار البرنامج الوطني"تونس...مدن الفنون"

المدير العام المؤسس : محمد أمين عبد الواحد

العنوان: دار الثقافة قصور الساف، شارع الحبيب ثامر 5180 قصور الساف

الهاتف : 52911306
الفاكس :73665292